ماذا يقول العلم عن تبادل الهدايا؟

مرحبا. أسعد الله أوقاتكم بكل خير. عندما يتعلق الأمر بإهداء الهدايا، كلنا يتخيل أن مجرد إهداء الهدية هو الأمر المهم. ولكن هل الأمر كذلك حقا؟

هل تساءلت يوما لماذا نتكبد أحيانا الكثير من العناء فقط للحصول على تلك الهدية المثالية لشخص مقرب منا؟ قد لا يبدو الأمر كذلك للوهلة الأولى، ولكن قد نكون نفعل ذلك بدون دراية أننا نفعل ذلك للشعور بالسعادة الشخصية بأنفسنا.

إهداء الهدايا بدون شك هو من التقاليد الجميلة، ولكن، ومثل بقية الأمور التي نقوم بعملها، يبدو أن هناك آلية متعلقة بتطور الإنسان مختبئة في مكان ما خلف سبب قيامنا بإهداء الهدايا.

what-does-science-say-about-the-act-of-gift-giving-min-6037524

الكاتب والعالم الأحيائي الإنجليزي ريتشارد داوكينز (Richard Dawkins) سلط الضوء على مسألة الإيثار في كتابه “الجين الأناني” (The selfish Gene) الصادر في سنة 1976. أشار الكاتب في كتابه أن الإيثار غالبا يعود بالفائدة على الشخص على المدى الطويل.

دراسة أخرى متعلقة بالإيثار والعطف خلصت إلى أن الإيثار تطور لدى الإنسان لتلك الفوائد التي تجلبها للمؤثر على نفسه. على أية حال، حتى يكون لهذه الفوائد دور محفز في عملية اتخاذ القرار، يتعين على الشخص الإحساس بها بشكل أو باخر. كما أشار جيمز أندريوني (James Andreoni)، البروفيسور في علم الاقتصاد، والذي قام بتطوير ما يسمى بنظرية “الوهج الدافئ” (Warm Glow)، “السبب الرئيسي لقيامنا بالإيثار على أنفسنا هو تلك المشاعر الإيجابية التي نشعر بها، وليست الفائدة الواقعية التي قد نرجو الحصول عليها في المقابل”. يعرف هذا بالإيثار الغير نقي أو (impure-altrusim).

على أية حال، التصرف لأجل المصلحة الذاتية لا يعني بالضرورة التصرف بأنانية كما يوضح البرفيسور أندريوني (Andreoni)، بحسب جريدة النيويورك تايمز: ” نحن كبشر، نسعى بشكل طبيعي لنكون متصلين وقادرين على المساعدة. يساعدنا ذلك على البقاء معا كمجتمع إنساني والاهتمام ببعضنا البعض”.

لذلك، لا يجب عليك أن تشعر بسوء إذا كان إهداء الهدايا لمن تحبهم يغمرك بالسعادة. إهداء الهدايا يسعد الجميع ويعمل على تقوية روابطنا الاجتماعية.

في الآونة الأخيرة، أجريت الكثير من الدراسات العلمية على سلوك إهداء الهدايا، الإيثار، والصدقة ويبدو أن النتائج ليست كما يتوقع الكثيرون.

الحيوانات أيضا تهدي الهدايا

أولا، صدق أولا تصدق، إهداء الهدايا ليس بسلوك يقتصر على البشر فحسب، بل حتى الحيوانات تهدي الهدايا.  ذكر أحد أنواع العناكب (تحديدا Paratrechalea Ornate)، يقوم بلف الخيوط على شكل ضحية ليشتت انتباه الأنثى وقت التزاوج. أيضا، طائر الرفراف يقوم باستمرار باصطياد السمك وتقديمها إلى الأنثى قبل وقت التزاوج. ذكر قرد الشمبانزي هو الاخر يقدم الكثير من الهدايا المتمثلة في الطعام إلى صديقاته من الإناث.

تبادل الهدايا وعلاقته بالنشاط الدماغي

تقترح الدارسات الحديثة أن الإنسان يشعر بالسعادة من خلال إهداء الهدايا. في دراسة أجراها مول (Moll) وفريق من الباحثين في عام 2006 ميلادي والتي تمحورت حول قياس النشاط الدماغي لدى المشاركين، كان يتعين على المشاركين الاختيار بين استلام هدايا نقدية بشكل شهري أو التبرع بتلك القيمة إلى الأعمال الخيرية.

بينما ازداد النشاط الدماغي وخصوصا تلك الأجزاء المتعلقة بالشعور بالسعادة للمشاركين الذين قاموا باختيار استلام المبالغ المادية، كان ازدياد النشاط الدماغي لدى المشاركين الذين اختاروا التبرع بذلك المبلغ ملاحظا بشكل أكبر.

يقول العلم: إهداء الهدايا قد يجعلنا نشعر بساعدة أكبر مقارنة باستقبال الهدايا.

ماهي الهدية التي يرغبون بها؟

دراسة أخرى أجراها باسكين (Baskin) مع فريقه البحثي في سنة 2014، حاول من خلالها دراسة كيف يقارن مهدوا الهدايا بين الرغبة في الهدية ومدى عمليتها في محاولتهم لفهم ما يريده مستقبل الهدية.

كمثال للتوضيح، ركز المهدون بشكل قوي على جانب “الرغبة” في الهدية. عند اختيارهم لإهداء قلم مثلا، ركزوا على وزن القلم ومظهره الخارجي الجميل. بينما ركز مستقبلو الهدية على مدى عمليتها بشكل أكبر، بحيث أرادو معرفة المزيد عن العمر الافتراضي للحبر وأيضا ما إذا كان القلم قابل للسحب.

يقول العلم: قم بإهداء هدايا عملية.

في سنة 2011، قام الباحثان جينو و فلين (Gino & Flynn) بدراسة كيف يستقبل الأشخاص الهدايا المهداة لهم بحسب ما إذا كانت الهدية ليست موجودة على قائمة رغباتهم، أو هدية موجودة بالفعل على قائمة رغباتهم، أو هدية عبارة عن مبلغ نقدي.

اعتقد مهدوا الهدايا أن الهدايا الغير موجودة على قائمة رغبات المهدى له ستتلقى استحسان أكبر من قبل المهدى لهم مقارنة بتلك الهدايا الموجودة بالفعل على قائمة أمنيات الأشخاص المهدى لهم. على النقيض، أعجب المهدى لهم بالهدايا الموجودة على قائمة رغباتهم بشكل أكثر بكثير من تلك الهدايا المفاجئة.

أيضا، اعتقد المهدون أن إهداء الهدايا الموجودة على قائمة أمنيات المهدى لهم ستلاقي استحسان أكبر من الهدايا المتمثلة في مبالغ نقدية. لكن، وجد المهدى لهم أن المبالغ المالية هي أفضل هدية يمكن تلقيها على الإطلاق.

جدير بالذكر أن المهدون كانوا أكثر دقة في تحديد مستوى الاستحسان لدى المهدى لهم عندما وضح المهدى لهم نوع الهدية التي يرغبون بها. مما يشير على أن تحديد هدية واحدة ترغب بها قد يكون أفضل من إعطاء قائمة بأمنياتك يتعين على المهدي الاختيار من بينها.

يقول العلم: قم بإهداء هدية يرغب بها الطرف الاخر.

دراسة أخرى أجراها الباحثون ويفر، جارسيا، وسكوارز (Weaver, Garcia, and Schwarz) في سنة 2012، اكتشف الباحثون الفرق بين مهدي الهدية ومستقبل الهدية عندما يتعلق الأمر بالهدايا المجمعة.

اعتقد المهدون أن تجميع عدة هدايا صغيرة رخيصة مع هدية واحدة كبيرة وغالية سيزيد من قيمة الهدية لدى مستقبل الهدية (مثلا هدية عبارة عن جوال أيفون مع عدة اكسسوارات أخرى). على العكس تماما، قام المهدى لهم بتقييم الهدية المجمعة بحسب متوسط قيمة جميع الهدايا فيها مما نتج عنه أن تلك الهدايا الصغيرة قللت من قيمة الهدية الكبيرة.

يقول العلم: هدية واحدة مرتفعة القيمة أفضل من هدية مجمعة تشمل هدية مرتفعة القيمة مع عدة هدايا صغيرة.

ماهي فوائد إهداء الهدايا؟

يتساءل أحدهم، بغض النظر عن النشاط الدماغي التعلق بالشعور بالسعادة، كيف يمكننا الاستفادة من إهداء الهدايا؟

الشعور الغير أناني بالمسؤولية تجاه الاخرين والحرص على سعادتهم يعزز من صحتنا النفسية. وجد الباحث كونراث (Konrath) في دراسة أجراها بمساعدة فريق من الباحثين في سنة 2012، أن الأشخاص الذين يقومون بأعمال تطوعية بشكل دوري يعيشون لفترة أطول مقارنة بالأشخاص الذين لا يقومون بأعمال تطوعية.

في دراسة أخرى أجراها أنيك (Anik) في سنة 2009 مع فريق من الباحثين، طلب الباحث من المشاركين بأن يختاروا بين إنفاق المال على أنفسهم أو على هدية لشخص آخر. وجد الباحث أن الأشخاص الذين قرروا استغلال المبلغ لشراء هدية لشخص آخر قاموا بتسجيل شعورهم بقدر أكبر من السعادة مقارنة بالأشخاص الذين اختاروا صرف المبلغ على أنفسهم.

أيضا، اقترح الباحث كومتر (Komter) في دراسة أجريت في سنة 2007، أن “تبادل الهدايا هو من أساسيات التضامن الإنساني” كما ويخلق تبادل الهدايا العديد من الروابط الاجتماعية ويقوم بتعزيزها.

أخيرا، لا تغفل عزيزي القارئ، عزيزتي القارئة، عن جانب إهداء الهدايا في حياتك، فالعلم يقول: قم بإهداء الهدايا وكن سعيدا.